الغيرةأولاً : الغيرة المحمودة
ثانياً : الغيرةالمذمومة
علاج الغيرة المذمومة
الحمد لله الذي أعطى كل نفس خلقها وهداها،وفجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد صاحب النفسالزكية والخلق الرضية والمناهج السوية، وعلى آله وصحبه الغيورين الأصفياء، البررةالأتقياء، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يبعثون.
ثم أما بعد ...
فإن النفس البشرية عالم غريب، وسر عجيب، حيثتتفاوت النفوس تفاوتاً عجيباً وتختلف اختلافاً كبيراً، منها ما هو في الثرى، ومنهاما هو في الثريا، فهناك نفوس زاكية مطمئنة، بينما هناك نفوس أمارة مضمحلة، ولله درابن القيم حيث قال: (سبحان الله، في النفس: كِبْر إبليس، وحسد قابيل، وعتو عاد،وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقحة هامان، وهوى بلعام،وحيل أصحاب السبت، وتمرد الوليد، وجهل أبي جهل، وفيها من أخلاق البهائم: حرصالغراب، وشره الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجُعْل، وعقوق الضب، وحقد الجمل،ووثوب الفهد، وصولة الأسد، وفسق الفارة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكرالثعلب، وخفة الفراش، ونوم الضبع، غير أن الرياضة والمجاهدة تُذْهب ذلك، فمن استرسلمع طبعه فهو من هذا الجند ولا تصلح سلعته لعقد لأن الله اشترى من المؤمنينأنفسهم.
انظر وقارن بين ما قاله هابيل في رده علىقابيل وقد قال له: "لأقتلنك" قال: "إنما يتقبل الله من المتقين لإن بسطتَ إلي يدكلتقتلني ما أنا بباسط يديَ إليك لأقتلك إني أخاف الله ربالعالمين".[1]
وبين ما قاله يوسف الصديق لإخوته: "لا تثريبعليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين"[2]، وقد ألقوه في الجب، وهموا بقتله،وحالوا بينه وبين أبيه وأهله.
وبين ما قاله الحبيب محمد صلى الله عليهوسلم لأهل مكة وقد دخلها فاتحاً منتصراً: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، قالذلك لمنأخرجوه وأذوه وأرادوا قتله هو وأصحابه، تعلم تباين النفوس، وتفاوتها،واختلافها.
ومن الأمور التي تتفاوت فيها النفوس،وتتباين، وتختلف اختلافاً كبيراً، الغيرة، فمن الناس من يغار لله ولرسوله ولمحارمهوعرضه ومنهم من يغار لنفسه وشهواته.
والغيرة هي ثوران النفس لخير كان أم لشر،بسبب الحمية والأنفة، أوالتنافس والحسد.
والغيرة نوعان:
1. نوع يحبه الله ورسوله ، وهي الغيرةالمحمودة.
2. ونوع يكرهه الله ورسوله ، وهي الغيرةالمذمومة.
ولكل من هذين النوعين صور عدة، وأشكال شتى،ومواقف مختلفة.
أولاً : الغيرة المحمودةأفضل أنواعالغيرة وأحسنها الغيرة على محارم الله، حيث يغضب المرء ويثور إذا انتهكت المحارم،واقترفت الآثام، وتعديت الحدود.
وأشد الناس غيرة بعد الله عز وجل رسول اللهصلى الله عليه وسلم، حيث قال عندما تعجب أصحابه من غيرة سعد بن عبادة: "أتعجبون منغيرة سعد، فأنا أغير منه والله أغير مني، ومن غيرته أن حرّم الفواحش ما ظهر منهاوما بطن".
فالرسول صلى الله عليه وسلم هو إمامالغيورين حيث كان لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله عز وجل، وكان لا يداهن ولايجامل في ذلك أبداً، فعن أبي هريرة قال: "قيل يا رسول الله ، أما تغار؟ قال: واللهإني لأغار، والله أغير مني، ومن غيرته نهى عن الفواحش"، وقالت عائشة: "ما خُيِّررسول الله بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعدالناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهكحرمة الله فينتقم لله تعالى".[3]
ولهذا غضب غضباً شديداً على حبه، وابن حبهأسامة بن زيد عندما جاء ليشفع في تلك المرأة المخزوميـة، وقـال لـه: "أتشفع في حدمن حدود الله؟! والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها".
والغيرة على محارم الله هي سمة عباد اللهالصالحين، وجنده المفلحين.
الغيرة والتنافس في أعمال الخير والبر، قالتعالى: "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا فياثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه اللهمالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار"، ومن ذلك تنافس الفقراء عندما جاءوا إلىرسول الله وقالوا: "ذهب أهل الدثور بالأجور والدرجات العـلا ، والنعيـم المقيـم.." الحديث.
ومن ذلك أيضاً تنافس الصحابة على الجهادوالإنفاق ومحاولة مسابقة عمر لأبي بكر.
الغيرة على الأعراض والحريم: من الغيرةالمحمودة التي يحبها الله ورسوله والمؤمنون الغيرة على الحريم والأعراض، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً"، وقال صلى الله عليه وسلم: "كلكمراع وكلكم مسؤول عن رعيتـه، فالرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول"، ولله در القحطانيحيث قال في نونيته:
إن الرجال الناظرين إلىالنساء مثل الكلاب تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحومَأسودُها أُكِلت بلا عوض ولا أثمـان
كان الصحابة رضي الله عنهم أشد الناس غيرةعلى محارمهم وأكثرهم حفظاً لأعراضهم يمثل ذلك أصدق تمثيل ما قاله سعد بن عبادةعندما نزل قوله: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانينجلدة"، قال سعد: أهكذا نزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله : يا معشر الأنصارأتسمعون ما يقول سيدكم؟ قالوا: يا رسول الله لا تلمه، فإنه رجل غيور، والله ما تزوجامرأة قط إلا بكراً، ولا طلق امرأة قط فاجترأ أحد منا أن يتزوجها من شدة غيرته. قالسعد: يا رسول الله إني لأعلم أنها حق، وإنها من الله، ولكني قد تعجبت أن لو وجدتلكاعاً، قد تفخذها رجل، لم يكن لي أن أهيجه، ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء،فوالله إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته"، وفي رواية: "فقال يا رسول الله إن وجدتُعلى بطن امرأتي رجلاً أضربه بسيفي"، أو كما قال.
وكان عمر والزبير رضي الله عنهما غاية فيالغيرة على الأعراض والحريم، وقد كانا يغاران من خروج نسائهما إلى المسجد، دعك منالخروج إلى الأسواق والشوارع والمنتزهات.
ثانياً : الغيرة المذمومةالغيرةالمذمومة سببها التنافس والحسد على أعراض شخصية وأمور دنيوية، وهي أنواعمنها:
الغيرة والتنافس بين أصحاب المهنة الواحدة،كالتجار، والحدادين، والنجارين، ونحوهم، فما من أصحاب مهنة واحدة إلا وتجد بينهمتنافساً وحسداً إلا من رحم الله.
الغيرة والتنافس من أصحاب النعم، ولذاقالوا: "كل ذي نعمة محسود".
الغيرة بين الأنداد، فالمعاصرة سببللمنافرة، وأسوأ هذا النوع الغيرة بين العلماء، ونعني بذلك علماء السوء، أماالعلماء الربانيون فلا يتنافسون ولا يتحاسدون، لأنهم يعلمون أن أجرهم و نوالهم منالله ذي النوال العظيم والخير العميم.
الغيرة بين الضرائر خاصة، والنساء عامة،والأطفال، ومردُّ ذلك إلى الأثرة ، وحب الذات، والحرص، والطمع؛ والغيرة بين الضرائرغريزة طبيعية وسجية نفسية، ولو برئت منها ضرة لبرئت منها أمهات المؤمنين، وزوجاترسول رب العالمين ، فقد كانت عائشة تغار من خديجة وهي لم ترها؛ وسبب الغيرة بينالضرائر هو الحب للزوج.
ونحو الغيرة بين الأمهات، والزوجات،والأخوات.
الغيرة بين الأبناء.
والمبالغة في الغيرة على الحريم والأعراضحيث تصل إلى درجة الوهم.
علاج الغيرة المذمومةمما لا شك فيه أنلكل داء دواء إلا أدواء معلومة وأمراض مفهومة، منها الموت، والهرم، والحماقة،والحسد؛ فالغيرة المذمومة لها أسباب كثيرة ومختلفة، منها ما يمكن تجنبه والحذر منه،كل هذا بعد دعاء الله وتوفيقه، ومنها ما لا سبيل لعلاجه.
من تلك الأسباب التي تولد الغيرة المذمومة ،والتنافس القبيح، والتي يمكن تداركها خاصة بين الضرائر والأبناء، و بين الأمهاتوالآباء والأخوان والأخوات من ناحية، والزوجات من ناحية أخر، مايلي:
أولاً: العدل والإنصاف، وعدم المحاباة فيالقسمة والإنفاق بين الزوجات والأبنـاء، فقد كـان يعدل ويقسم ويتحرى الإنصاف ومعذلك يقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"، ويعني بذلكالحب وما ينتج عنه فهو أمر قلبي لا يستطيع المرء التحكم فيه، فكان يعدل بين أزواجهفي المبيت، والنفقة، والسفر، حيث كان يقرع بينهن، والمراد بالعدل بين الزوجات والأولاد في النفقة أن يعطي كلاً منهم ما يحتاجه، وليس المراد التسوية في كل شيء،فما تحتاجه الزوجة الشابة من الملابس والزينة لا تحتاجه الكبيرة، وما يكفي الزوجةذات الأولاد يختلف مما يكفي امرأة لها ولد واحد أو لم تلدبعد.
ثانياً: العدل في المعاشرة، والمعاملة،والتبسم، والضحك، وبشاشة الوجه، بين الزوجات، وبين الأولاد، فكان صلى الله عليهوسلم إذا وضع حسناً في فخذه اليمنى وضع حسين على فخذه اليسرى، وكانا يركبان علىظهره الشريف في وقت واحد.
ثالثاً: في المنحة والهبة، فلا يحل له أنيهب لإحدى زوجاته دون الأخريات ولا لأحد أبنائه دون الآخرين، فقد جاء بشير بن سعدليشهد الرسول صلى الله عليه وسلم على ما منح ابنه النعمان. قال له: أكل بنيك منحتهكذا؟ قال: لا. فقال له: لا تشهدني على جور، أشهد على ذلك غيري؛ إلا إذا كان هناكما يوجب ذلك من مرض، أوعاهة، أوكثرة عيال، ونحو ذلك، فقد منح ابن عمر أحد أبنائهدون غيره لكثرة عياله، والله أعلم.
واعلم أن الحيف والظلم والمحاباة لها آثارخطيرة ونتائج وخيمة في الدنيا قبلالآخرة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لبشير بنسعد: "ألا تحب أن يكونوا لك في البر سواء ؟".
أما بالنسبة للحيلولة بين الغيرة والتنافسبين أهل الزوج وزوجته وأبنائه، فالأمر يحتاج إلى حكمة وحنكة وحسن تصرف من الزوج،حيث يعطي كل ذي حق حقه من غير إفراط ولا تفريط، وألا يسمح لزوجته بالتدخل فيما يخصأهله، وألا يجعل أهله رقباء على زوجته مع وجوده، وعليه ألا يتأثر بما يقول أحدالطرفين في الآخر.
واحذر أخي الحبيب أن تكون ممن يبر زوجتهويعق أمه، ويدني صديقه ويباعد أباه وأخاه.
والله أسأل أن يحبِّب إلينا الإيمان، ويزينهفي قلوبنا، ويكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وصلى الله وسلم على خاتم الرسلوالنبيان.
ثانياً : الغيرةالمذمومة
علاج الغيرة المذمومة
الحمد لله الذي أعطى كل نفس خلقها وهداها،وفجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها.
وصلى الله وسلم وبارك على محمد صاحب النفسالزكية والخلق الرضية والمناهج السوية، وعلى آله وصحبه الغيورين الأصفياء، البررةالأتقياء، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم يبعثون.
ثم أما بعد ...
فإن النفس البشرية عالم غريب، وسر عجيب، حيثتتفاوت النفوس تفاوتاً عجيباً وتختلف اختلافاً كبيراً، منها ما هو في الثرى، ومنهاما هو في الثريا، فهناك نفوس زاكية مطمئنة، بينما هناك نفوس أمارة مضمحلة، ولله درابن القيم حيث قال: (سبحان الله، في النفس: كِبْر إبليس، وحسد قابيل، وعتو عاد،وطغيان ثمود، وجرأة نمرود، واستطالة فرعون، وبغي قارون، وقحة هامان، وهوى بلعام،وحيل أصحاب السبت، وتمرد الوليد، وجهل أبي جهل، وفيها من أخلاق البهائم: حرصالغراب، وشره الكلب، ورعونة الطاووس، ودناءة الجُعْل، وعقوق الضب، وحقد الجمل،ووثوب الفهد، وصولة الأسد، وفسق الفارة، وخبث الحية، وعبث القرد، وجمع النملة، ومكرالثعلب، وخفة الفراش، ونوم الضبع، غير أن الرياضة والمجاهدة تُذْهب ذلك، فمن استرسلمع طبعه فهو من هذا الجند ولا تصلح سلعته لعقد لأن الله اشترى من المؤمنينأنفسهم.
انظر وقارن بين ما قاله هابيل في رده علىقابيل وقد قال له: "لأقتلنك" قال: "إنما يتقبل الله من المتقين لإن بسطتَ إلي يدكلتقتلني ما أنا بباسط يديَ إليك لأقتلك إني أخاف الله ربالعالمين".[1]
وبين ما قاله يوسف الصديق لإخوته: "لا تثريبعليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين"[2]، وقد ألقوه في الجب، وهموا بقتله،وحالوا بينه وبين أبيه وأهله.
وبين ما قاله الحبيب محمد صلى الله عليهوسلم لأهل مكة وقد دخلها فاتحاً منتصراً: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، قالذلك لمنأخرجوه وأذوه وأرادوا قتله هو وأصحابه، تعلم تباين النفوس، وتفاوتها،واختلافها.
ومن الأمور التي تتفاوت فيها النفوس،وتتباين، وتختلف اختلافاً كبيراً، الغيرة، فمن الناس من يغار لله ولرسوله ولمحارمهوعرضه ومنهم من يغار لنفسه وشهواته.
والغيرة هي ثوران النفس لخير كان أم لشر،بسبب الحمية والأنفة، أوالتنافس والحسد.
والغيرة نوعان:
1. نوع يحبه الله ورسوله ، وهي الغيرةالمحمودة.
2. ونوع يكرهه الله ورسوله ، وهي الغيرةالمذمومة.
ولكل من هذين النوعين صور عدة، وأشكال شتى،ومواقف مختلفة.
أولاً : الغيرة المحمودةأفضل أنواعالغيرة وأحسنها الغيرة على محارم الله، حيث يغضب المرء ويثور إذا انتهكت المحارم،واقترفت الآثام، وتعديت الحدود.
وأشد الناس غيرة بعد الله عز وجل رسول اللهصلى الله عليه وسلم، حيث قال عندما تعجب أصحابه من غيرة سعد بن عبادة: "أتعجبون منغيرة سعد، فأنا أغير منه والله أغير مني، ومن غيرته أن حرّم الفواحش ما ظهر منهاوما بطن".
فالرسول صلى الله عليه وسلم هو إمامالغيورين حيث كان لا يغضب إلا إذا انتهكت حرمات الله عز وجل، وكان لا يداهن ولايجامل في ذلك أبداً، فعن أبي هريرة قال: "قيل يا رسول الله ، أما تغار؟ قال: واللهإني لأغار، والله أغير مني، ومن غيرته نهى عن الفواحش"، وقالت عائشة: "ما خُيِّررسول الله بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً فإن كان إثماً كان أبعدالناس منه، وما انتقم رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه في شيء قط إلا أن تنتهكحرمة الله فينتقم لله تعالى".[3]
ولهذا غضب غضباً شديداً على حبه، وابن حبهأسامة بن زيد عندما جاء ليشفع في تلك المرأة المخزوميـة، وقـال لـه: "أتشفع في حدمن حدود الله؟! والله لو سرقت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها".
والغيرة على محارم الله هي سمة عباد اللهالصالحين، وجنده المفلحين.
الغيرة والتنافس في أعمال الخير والبر، قالتعالى: "وفي ذلك فليتنافس المتنافسون"، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا حسد إلا فياثنتين رجل آتاه الله القرآن فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار، ورجل آتاه اللهمالاً فهو ينفقه آناء الليل وآناء النهار"، ومن ذلك تنافس الفقراء عندما جاءوا إلىرسول الله وقالوا: "ذهب أهل الدثور بالأجور والدرجات العـلا ، والنعيـم المقيـم.." الحديث.
ومن ذلك أيضاً تنافس الصحابة على الجهادوالإنفاق ومحاولة مسابقة عمر لأبي بكر.
الغيرة على الأعراض والحريم: من الغيرةالمحمودة التي يحبها الله ورسوله والمؤمنون الغيرة على الحريم والأعراض، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً"، وقال صلى الله عليه وسلم: "كلكمراع وكلكم مسؤول عن رعيتـه، فالرجل راع في أهل بيته وهو مسؤول"، ولله در القحطانيحيث قال في نونيته:
إن الرجال الناظرين إلىالنساء مثل الكلاب تطوف باللحمان
إن لم تصن تلك اللحومَأسودُها أُكِلت بلا عوض ولا أثمـان
كان الصحابة رضي الله عنهم أشد الناس غيرةعلى محارمهم وأكثرهم حفظاً لأعراضهم يمثل ذلك أصدق تمثيل ما قاله سعد بن عبادةعندما نزل قوله: "والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانينجلدة"، قال سعد: أهكذا نزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله : يا معشر الأنصارأتسمعون ما يقول سيدكم؟ قالوا: يا رسول الله لا تلمه، فإنه رجل غيور، والله ما تزوجامرأة قط إلا بكراً، ولا طلق امرأة قط فاجترأ أحد منا أن يتزوجها من شدة غيرته. قالسعد: يا رسول الله إني لأعلم أنها حق، وإنها من الله، ولكني قد تعجبت أن لو وجدتلكاعاً، قد تفخذها رجل، لم يكن لي أن أهيجه، ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء،فوالله إني لا آتي بهم حتى يقضي حاجته"، وفي رواية: "فقال يا رسول الله إن وجدتُعلى بطن امرأتي رجلاً أضربه بسيفي"، أو كما قال.
وكان عمر والزبير رضي الله عنهما غاية فيالغيرة على الأعراض والحريم، وقد كانا يغاران من خروج نسائهما إلى المسجد، دعك منالخروج إلى الأسواق والشوارع والمنتزهات.
ثانياً : الغيرة المذمومةالغيرةالمذمومة سببها التنافس والحسد على أعراض شخصية وأمور دنيوية، وهي أنواعمنها:
الغيرة والتنافس بين أصحاب المهنة الواحدة،كالتجار، والحدادين، والنجارين، ونحوهم، فما من أصحاب مهنة واحدة إلا وتجد بينهمتنافساً وحسداً إلا من رحم الله.
الغيرة والتنافس من أصحاب النعم، ولذاقالوا: "كل ذي نعمة محسود".
الغيرة بين الأنداد، فالمعاصرة سببللمنافرة، وأسوأ هذا النوع الغيرة بين العلماء، ونعني بذلك علماء السوء، أماالعلماء الربانيون فلا يتنافسون ولا يتحاسدون، لأنهم يعلمون أن أجرهم و نوالهم منالله ذي النوال العظيم والخير العميم.
الغيرة بين الضرائر خاصة، والنساء عامة،والأطفال، ومردُّ ذلك إلى الأثرة ، وحب الذات، والحرص، والطمع؛ والغيرة بين الضرائرغريزة طبيعية وسجية نفسية، ولو برئت منها ضرة لبرئت منها أمهات المؤمنين، وزوجاترسول رب العالمين ، فقد كانت عائشة تغار من خديجة وهي لم ترها؛ وسبب الغيرة بينالضرائر هو الحب للزوج.
ونحو الغيرة بين الأمهات، والزوجات،والأخوات.
الغيرة بين الأبناء.
والمبالغة في الغيرة على الحريم والأعراضحيث تصل إلى درجة الوهم.
علاج الغيرة المذمومةمما لا شك فيه أنلكل داء دواء إلا أدواء معلومة وأمراض مفهومة، منها الموت، والهرم، والحماقة،والحسد؛ فالغيرة المذمومة لها أسباب كثيرة ومختلفة، منها ما يمكن تجنبه والحذر منه،كل هذا بعد دعاء الله وتوفيقه، ومنها ما لا سبيل لعلاجه.
من تلك الأسباب التي تولد الغيرة المذمومة ،والتنافس القبيح، والتي يمكن تداركها خاصة بين الضرائر والأبناء، و بين الأمهاتوالآباء والأخوان والأخوات من ناحية، والزوجات من ناحية أخر، مايلي:
أولاً: العدل والإنصاف، وعدم المحاباة فيالقسمة والإنفاق بين الزوجات والأبنـاء، فقد كـان يعدل ويقسم ويتحرى الإنصاف ومعذلك يقول: "اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك"، ويعني بذلكالحب وما ينتج عنه فهو أمر قلبي لا يستطيع المرء التحكم فيه، فكان يعدل بين أزواجهفي المبيت، والنفقة، والسفر، حيث كان يقرع بينهن، والمراد بالعدل بين الزوجات والأولاد في النفقة أن يعطي كلاً منهم ما يحتاجه، وليس المراد التسوية في كل شيء،فما تحتاجه الزوجة الشابة من الملابس والزينة لا تحتاجه الكبيرة، وما يكفي الزوجةذات الأولاد يختلف مما يكفي امرأة لها ولد واحد أو لم تلدبعد.
ثانياً: العدل في المعاشرة، والمعاملة،والتبسم، والضحك، وبشاشة الوجه، بين الزوجات، وبين الأولاد، فكان صلى الله عليهوسلم إذا وضع حسناً في فخذه اليمنى وضع حسين على فخذه اليسرى، وكانا يركبان علىظهره الشريف في وقت واحد.
ثالثاً: في المنحة والهبة، فلا يحل له أنيهب لإحدى زوجاته دون الأخريات ولا لأحد أبنائه دون الآخرين، فقد جاء بشير بن سعدليشهد الرسول صلى الله عليه وسلم على ما منح ابنه النعمان. قال له: أكل بنيك منحتهكذا؟ قال: لا. فقال له: لا تشهدني على جور، أشهد على ذلك غيري؛ إلا إذا كان هناكما يوجب ذلك من مرض، أوعاهة، أوكثرة عيال، ونحو ذلك، فقد منح ابن عمر أحد أبنائهدون غيره لكثرة عياله، والله أعلم.
واعلم أن الحيف والظلم والمحاباة لها آثارخطيرة ونتائج وخيمة في الدنيا قبلالآخرة ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لبشير بنسعد: "ألا تحب أن يكونوا لك في البر سواء ؟".
أما بالنسبة للحيلولة بين الغيرة والتنافسبين أهل الزوج وزوجته وأبنائه، فالأمر يحتاج إلى حكمة وحنكة وحسن تصرف من الزوج،حيث يعطي كل ذي حق حقه من غير إفراط ولا تفريط، وألا يسمح لزوجته بالتدخل فيما يخصأهله، وألا يجعل أهله رقباء على زوجته مع وجوده، وعليه ألا يتأثر بما يقول أحدالطرفين في الآخر.
واحذر أخي الحبيب أن تكون ممن يبر زوجتهويعق أمه، ويدني صديقه ويباعد أباه وأخاه.
والله أسأل أن يحبِّب إلينا الإيمان، ويزينهفي قلوبنا، ويكرِّه إلينا الكفر والفسوق والعصيان، وصلى الله وسلم على خاتم الرسلوالنبيان.
الإثنين ديسمبر 10, 2018 11:58 am من طرف احمد خليل الجميل
» شرح كامل لمنهج اللغة العربية
الأربعاء أكتوبر 03, 2018 3:44 pm من طرف احمد خليل الجميل
» كيفية إحياء ليلة النصف من شعبان
السبت مايو 21, 2016 4:17 am من طرف ارتواء نبض
» اليوم العالمي للمرأة
الأربعاء مارس 09, 2016 1:03 am من طرف ارتواء نبض
» همسة إيمانية لفضيلة الشيخ فوزي محمد أبوزيد
الأحد ديسمبر 13, 2015 12:59 pm من طرف ارتواء نبض
» ما حكم ضرب الأطفال
الأحد نوفمبر 22, 2015 5:05 pm من طرف ارتواء نبض
» درس نموذجى
الأربعاء أكتوبر 21, 2015 2:18 pm من طرف سهير عايد رزق
» ورشة عمل كيمياء
الأربعاء أكتوبر 21, 2015 2:14 pm من طرف سهير عايد رزق
» اجتماع موجهىعموم التربية الزراعية
الأربعاء أكتوبر 21, 2015 2:07 pm من طرف سهير عايد رزق